السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ابو عبيدة بن الجراح
-عامر بن عبد الله بن الجراح -
( لكل امة امين و امين هذه الاملا ابو عبيدة )
محمد رسول الله
كان وضئ الوجه بهي الطلعة نحيل الجسم طويل القامة خفيف العارضين ..... ترتاح العين لمراة و تانس النفس للقياه و يطمئن اليه الفؤاد .
و كان رقيق الحاشية جم التواضع شديد الحياء لكنه كان اذا حزب الامر وجد الجد يغدو وجهه كانه الليث عاديا .
فهو يشبه نصل السيف رونقا و بهاء و يحكيه حدة و مضاء .
ذلكم هو امين امة محمد عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي المكني بابي عبيدة .
نعته عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال / ثلاثة من قريش اصبح الناس وجوها و احسنها اخلاقا و اثبتها حياء ان حدثوك لم يكذبوك و ان حدثتهم لم يكذبوك :
ابو بكر الصديق ، و عثمان بن عفان ، و ابو عبيدة بن الجراح .
* * *
كان ابو عبيدة من السابقين الاولين الي الاسلام فقد اسلم في اليوم التالي لاسلام ابو بكر و كان اسلامه علي يد الصديق نفسه فمضي به و بعد الرحمن بن عوف و بعثمان بن مظغون و بالارقم بن ابي الارقم الي النبي
صلي الله عليه و سلم فاعلنوا بين يديه كلمة الحق فكانوا القواعد الاولي التي اقيم عليها سرح الاسلام العظيم .
* * *
عاش ابو عبيدة تجربة المسلمين القاسية في مكة منذ بدايتها الي نهايتها و عاني مع المسلمين السابقين من عنفها و ضراوتها و الامها و احزانها في كل موقف .
لكن محنة ابو عبيدة يوم "بدر" فاقت في عنفها حسبان الحاسبين و تجاوزت خيال المتخيلين .
* * *
انطلق ابو عبيدة يوم " بدر" يصول بين الصفوف صولة من لا يهاب الردي فهابه المشركون و يجول جولة من لا يحذر الموت فحذره فرسان قريش و جعلوا يتنحون عنه كلما واجهوه.............
لكن رجلا واحد منهم جعل يبرز لابي عبيدة في كل اتجاه فكان ابو عبيدة بنحرف عن طريقه و يتحاشي لقاءه .
و لج الرجل في الهجوم و اكثر ابو عبية من التنحي و سد الرجل علي ابو عبيدة المسالك و وقف حائل بينه و بين قتال اعداء الله .
فلما ضاق به ذرعا ضرب راسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين فخر الرجل صريعا بين يديه .
لا تحاول ايها القارئ ان تتخيل من هو الرجل الصريع اما قلت لك : ان عنف التجربة فاق خيال المتخيلين و حسبان الحاسبين .
ان الرجل الصريع هو عبد الله بن الجراح والد ابو عبيدة.
* * *
لم يقتل ابو عبيدة اباه و انما قتل الشرك في شخص ابيه .
فانزل الله في شان ابو عبيدة و شان ابيه قراءنا فقال علت كلمته :
( لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا اباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون ) .
* * *
لم يكن ذلك عجيبا من ابي عبيدة فقد بلغ من قوة ايمانه بالله و نصحه لدينه و الامانة علي امة محمد مبلغا طمحت اليه نفوس كبيرة عند الله .
حدث محمد بن جعفر قال /
قدم وفد من النصاري علي الرسول صلي الله عليه و سلم فقال:
يا ابا القاسم ابعث معنا رجلا ترضاه لنا ليحكم بيننا في اشياء من اموالنا اختلفنا فيها فانكم عندنا معشر المسلمين مرضيون .
فقال النبي صلي الله عليه و سلم : ( ائتوني العشية ابعث معكم القوي الامين ) .
قال عمر بن الخطاب :
فرحت الي صلاة الظهر مبكرا و اني ما حببت الامارة حبي اياها الا يومئذ رجاء ان اكون صاحب هذا النعت ......
فلما صلي بنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر جعل ينظر عن يمينه و عن يساره فجلعت اتطول اليه ليراني فلم يزل يقلب بصره فينا حتي راي ابا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال :
( اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه )........
فقلت : ذهب بها ابو عبيدة .
* * *
و لم يكن ابو عبية امينا فحسب انما كان يجمع القوة الي الامانة و قد برزت هذه القوة في اكثر من موقف :
برزت يوم بعث الرسول صلي الله عليه و سلم جماعة من اصحابه ليتلقوا قافلة لقريش و امر عليهم ابا عبيدة رضي الله عنهم و عنه و زودهم جرابا من تمر لم يجد لهم غيره فكان ابو عبيدة يعطي الرجل من اصحابه كل يوم تمرة فيمصها الواحد منهم كما يمص الصبي ضرع امه ثم يشرب عليها ماء فكانت تكفيه يومه الي الليل .
و في يوم " احد " حين هزم المسلمون و طفق صائح المشركين ينادي :
دلوني علي محمد ........دلوني علي محمد .... كان ابو عبيدة احد النفر العشرة الذين حاطوا بالرسول صلي الله عليه و سلم ليدفعوا عنه بصدورهم رماح المشركين .
فلما انتهت المعركة كان الرسول صلي الله عليه و سلم قد كسرت رباعيته و شج جبهته و غارت في وجنتيه حلقتان من حلقات درعه فاقبل عليه الصديق يريد انتزاعهما من وجنته فقال له ابو عبيدة /
اقسم عليك ان تترك ذلك لي ، فخشي ابو عبيدة ان اقتلعهما بيديه ان يؤذي الرسول صلي الله عليه و سلم فعض علي اولاهما بثنيته – الاسنان الامامية - عضا قويا محكما فاستخرجهما و وقعت ثنيته .....
ثم عض علي الاخري بثنيته الثانية فاقتلعها و سقطت ثنيته الثانية ........
قال ابو بكر / ( فكان ابو عبيدة من احسن الناس هتما ) .
* * *
لقد شهد ابو عبيدة مع الرسول صلي الله عليه و سلم المشاهد كلها منذ صحبه الي ان وافاه اليقين .
فلما كان يوم بيعة ابو بكر قال عمر بن الخطاب لابي عبيدة /
( ان لكل امة امين و انت امين هذه الامة ) .
فقال ابو عبيدة ما كنت لتقدم علي رجل امره رسول الله صلي الله عليه و سلم ان يؤمنا في الصلاة فامنا حتي مات .
ثم بويع لابي بكر فكان ابو عبيدة خير نصيح له في الحق و اكرم معاون له علي الخير .
ثم عهد ابو بكر الخلافة من بعده الي الفاروق فدان له ابو عبيدة بالطاعة و لم يعصه في امر الا مرة واحدة .
فهل تدري ماهو الامر الذي عصي فيه ابو عبيدة خليفة المسلمين ؟!..
لقد وقع ذلك عندما كان ابو عبيدة في الشام يقود جيوش المسلمين من نصر الي نصر حتي فتح الله علي يديه البلاد الشامية كلها فبلغ الفرات شرقا و اسيا الصغري شمالا .
عند ذلك دهم بلاد الشام طاعون ما عرف الناس مثله قط فجعل يحصد الناس حصدا .....
فما كان من عمر الا ان وجه رسولا الي ابي عبيدة رسولا برسالة يقول فيها /
اني بدت لي عندي حاجة لا غني لي عنك فيها فان اتاك كتابي ليلا فاني اعزم عليك الا تصبح حتي تركب الي ، و ان اتاك نهارا فاني اعزم عليك الا تمسي حتي تركب الي .
فلما اخذ ابو عبيدة كتاب الفاروق قال /
قد علمت حاجة امير المؤمنين الي فهو يريد ان يستبقي من ليس بباق ،
ثم كتب اليه /
يا امير المؤمنين ان قد عرفت حاجتك الي و اني في جند من المسلمين و لا اجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم ....
و لا اريد فراقهم حتي يقضي الله في وفيهم امره .......
فاذا اتاك كتابي هذا فحللني من عزمك و ائذن لي بالبقاء .
فلما قرا عمر الكتاب بكي حتي فاضت عيناه ، فقال له من عنده من شدة ما راؤه من بكاء /
امات ابو عبيدة يا امير المؤمنين ؟.
فقال / لا ، و لكن الموت منه قريب .
و لم يكذب ظن الفاروق اذ ما لبث ابو عبيدة ان اصيب بالطاعون فلما حضرته الوفاة فاوصي جنده فقال /
اني موصيكم بوصية ان قبلتموها لن تزالوا بخير :
اقيموا الصلاة ، و اتوا الذكاة ،و صوموا شهر رمضان، و تصدقوا، و حجوا ،و اعتمروا ،و تواصوا ،و انصحوا لامرائكم ،و لا تغشوهم .....
و لا تلهكم الدنيا فان المرء لو عمر الف حول ما كان له بد من ان يصير الي مصرعي هذا الذي ترون ........
ان الله كتب الموت علي بني ادم فهم ميتون و اكيسهم اطوعهم لربه و اعملهم ليوم معاده .......
و السلام عليكم و رحمة لله ثم التفت الي معاذ بن جبل و قال يا معاذ صل بالناس – أي صلي بهم اماما – ثم ما لبث ان فاضت روحه الطاهرة فقام معاذ و قال /
انكم قد فجعتم برجل و الله ما اعلم اني رايت رجلا ابر صدرا و لا ابعد غائلة –شر او حقد – و لا اشد حبا للعاقبة و لا انصح للعامة منه فترحموا عليه يرحمكم الله .
* * *
رحم الله ابو عبيدة و انار له قبره و جزاه عنا و عن الاسلام خير الجزاء
و اسكنه فسيح جناته انه ولي ذلك و القدر عليه .
* * *
هذا ما قدرت علي جمعه من جهد قليل اسئل الله به النفع
هذا و ان كان من توفيق فمن الله وحد و ان كان من خطا او سهو او نسيان فمني و من الشيطان و الله و رسوله منه براء
* * *
المصدر /
كتاب صور من حياة الصحابة .
تاليف / د. عبد الرحمن رافت الباشا .